جريمة خيانة الامانة في القانون العراقي مع الامثلة التطبيقية
المقدمة:
الأخلاق تعتبر من أعظم القيم الإنسانية التي تُعزز العلاقات الاجتماعية وتحقق التوازن في المجتمع. ومن بين هذه القيم تأتي الأمانة كإحدى أهم الركائز الأخلاقية. فهي تعني الوفاء بالعهد والاحتفاظ بما يُؤتمن عليه الإنسان من مال أو سر أو مسؤولية دون التعدي عليه أو استغلاله. يُعدّ حفظ الأمانة من الأخلاق الفاضلة التي حثّت عليها الديانات السماوية، وفي الإسلام على وجه الخصوص، فقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على الأمانة، منها قوله تعالى: “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا” (النساء: 58). و قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ” (الأنفال: 27)،
مفهوم الخيانة لغة واصطلاحًا:
لغة، تعني الإخلال بالثقة الموضوعة في شخص ما. جاء في معجم “لسان العرب” أن الخيانة هي نقض العهد أو عدم الأمانة في التعامل، اما اصطلاحا فقد عرفها فقهاء القانون على انها ( فعل من يختلس شيئًا منقولاً سلم إليه على سبيل الأمانة إضرارًا بمالكه أو واضع اليد عليه . ) وعرفها اخرين بانها انتهاك شخص حق ملكية اخر عن طريق خيانة الثقة التي اودعت اليه .453 ومن المعلوم بان هذه التعاريف تعبر عن وجهة نظر صاحبها فالعبرة بما يستعمله القانون من عبارات او اوصاف او مصطلحات قانونية يصف فيها الافعال المكونة للجريمة والعقوبة المقررة لها .
جريمة مخلة بالشرف :
تعتبر هذه الجريمة من الجرائم المخلة بالشرف في القانون العراقي لأنها تنطوي على خيانة للثقة التي يمنحها صاحب المال أو الحق لشخص معين، وهو تصرف يُظهر سوء النية والغش في التعامل مع ممتلكات الغير. الجرائم المخلة بالشرف تشمل كل ما يعكس خللاً في النزاهة والأمانة، ويؤدي إلى تقويض الثقة التي يضعها المجتمع أو الأفراد في الشخص ولقد اورد قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 قسما من الجرائم واعتبرتها مخلة بالشرف نصت عليها المادة 21 الفقرة 6 وهي (السرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانة والاحتيال والرشوة وهتك العرض)
جريمة عمدية:
تصنف هذه الجريمة من الجرائم العمدية وفقًا للفقه الجنائي، وذلك لأنها تتطلب توافر عنصر القصد الجرمي أو النية الإجرامية عند الجاني. في الجرائم العمدية يجب أن يكون لدى الشخص إرادة واعية وقصد مسبق لارتكاب الجريمة، وهذا ينطبق على االافعال المكونة لهذه الجريمة التي تُظهر استغلالًا مباشرًا للثقة الممنوحة للجاني.
توضيح مفهوم الجريمة العمدية : الجريمة العمدية تعني أن الجاني يقوم بفعله الإجرامي عن قصد، أي مع علمه بنتائج الفعل وتعمّده إحداثها. في حالة خيانة الأمانة، هذا يعني أن الجاني:
- يستلم مالًا أو ممتلكات بناءً على ثقة (تسليم اختياري وليس بالقوة).
- يستغل تلك الثقة بسوء نية، سواء عن طريق تحويل المال أو الممتلكات لصالحه الشخصي أو لصالح طرف ثالث، أو استخدامه بما يخالف الاتفاق أو الغرض الذي تم تسليم المال من أجله.
الاركان الجرمية وفقا لاحكام القانون العراقي .
عالج قانون العقوبات العراقي جريمة خيانة الامانة في الباب الثالث الجرائم الواقعة على المال الفصل الثالث في المواد ( 453 , 454 ,455) , فنص في المادة 453 على جريمة خيانة الامانة بشكل عام . من خلال استقراء النص ادناه تعد هذه الجريمة جنحة ويعاقب مرتكبها بالحبس او الغرامة وتغيير العقوبة تبعا لصفة مرتكبها و ظروف ارتكابها وقد تكون الحبس دون الغرامة وكذلك تتحول هذه الجريمة من جنحة الى جناية اذا رافقها احد الضروف المشددة , حيث نصت المادة 453 على :
كل من اؤتمن على مال منقول مملوك للغير او عهد به اليه باية كيفية كانت او سلم له لاي غرض كان فاستعمله بسوء قصد لنفسه او لفائدته او لفائدة شخص اخر او تصرف به بسوء قصد خلافا للغرض الذي عهد به اليه او سلم له من اجله حسب ما هو مقرر قانونا او حسب التعليمات الصريحة او الضمنية الصادرة ممن سلمه اياه او عهد به اليه يعاقب بالحبس او بالغرامة .
الضروف المشددة هي :
وتكون العقوبة الحبس اذا كان مرتكب الجريمة من محترفي نقل الاشياء برا او بحرا او جوا او احد تابعيه وكان المال قد سلم اليه بهذه الصفة. او كان محاميا او دلالا او صيرفيا سلم اليه المال بمقتضى مهنته او اذا ارتكب الجريمة كاتب او مستخدم او خادم بخصوص مال سلمه اليه من استخدمه. وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس اذا كان مرتكب الجريمة شخصا معينا بامر المحكمة بخصوص مال عهدت به اليه المحكمة او كان وصيا او قيما على قاصر او فاقد للاهلية او كان مسؤولا عن ادارة مؤسسة خيرية بشان اموال المؤسسة.
الاركان الجرمية :
- الاستعمال و التصرف
- ان يكون المال المنقول مملوك للغير .
- التسليم .
- الركن المعنوي : القصد الجرمي .
الركن المادي الاول الاستعمال و التصرف:
الاستعمال : ويقصد به بشكل عام هو استخدام الشئ للحصول على منافعه كاستخدام الالات والسيارات وان المشرع العراقي قد استخدم عبارة ( فاستعمله بسوء قصد لنفسه او لفائدته او لفائدة شخص اخر ) وهذا يعني استعمال الشيء دون نية تملكه او الاستحواذ عليه والمقصود هنا بالاستعمال هو استغلال المؤتمن واستعمال الشي المؤتمن عليه بسوء قصد و خلافا للغرض الذي عهد به اليه او سلم له من اجله ولو لم يكن له نية تملكه فمجرد استعمال الشيء المؤتمن من قبل الامين واقتران هذا الاستعمال بسوء النية تنهض جريمة خيانة الامانة ويعد المؤتمن مرتكبا للجريمة ومثال ذلك محاسب يتلقى أموالاً من عميل لسداد الضرائب أو فواتير محددة، لكنه يستخدم هذه الأموال لأغراضه الشخصية أو لتغطية نفقات أخرى.
عنصر التصرف : اشارت اليه المادة 453 من قانون العقوبات العراقي ( تصرف به بسوء قصد خلافا للغرض الذي عهد به اليه او سلم له من اجله حسب ما هو مقرر قانونا او حسب التعليمات الصريحة او الضمنية الصادرة ممن سلمه اياه) ويقصد بالتصرف كل تصرف يخرج به الجاني المال المسلم له من حيازته كلا او بعضا الى وادخاله في حيازة الغير مثل البيع او الايجار او الرهن او المقايضة او المقاولة و الدلالية وغيرها .
هناك عنصر اخر يتداخل مع التصرف هو الاتلاف فاذا اتلف الجاني المال الذي سلم الية بسوء قصد فان هذا الاتلاف يعد قانونا تصرفا في المال بخلاف الغرض الذي الذي عهد اليه او سلم له من اجله فهنا يعد المؤتمن مرتكبا لجريمة خيانة الامانة .و تعتبر الجريمة قائمة ايضا في حالة تبديد الجاني للمال المنقول الذي عهد به اليه او سلم له من اجله حسب ما هو مقرر قانونا او حسب التعليمات الصريحة او الضمنية الصادرة ممن سلمه اياه .
الركن المادي الثاني : ان يكون المال المنقول مملوك للغير .
هذا الركن يتعلق بملكية المال، وهو شرط ضروري لقيام جريمة خيانة الأمانة , لذا فان مفهوم المال المنقول : هو كل ما يمكن نقله من مكان إلى آخر دون أن يتأثر بانتقاله، ويشمل الأموال النقدية، المجوهرات، الأجهزة، وغيرها. يجب أن يكون المال الذي ارتكبت به الجريمة منقولًا؛ لأن خيانة الأمانة ترتبط عادةً بالقدرة على التحكم في المال أو الممتلكات التي يسهل نقلها أو التعامل معها.
ونقصد بملكية المال للغير: هو أن يكون المال مملوكًا لشخص آخر غير الجاني. أي أن الجاني لا يمكنه أن يرتكب جريمة خيانة الأمانة على مال يملكه. فالأساس في خيانة الأمانة هو ثقة صاحب المال في الجاني حينما يسلمه المال ليقوم بحفظه أو استخدامه لغرض معين. إذا كان المال مملوكًا للجاني نفسه، فلا يمكن القول إنه خان الأمانة في ماله.
الركن المادي الثالث : التسليم .
ركن التسليم هو العنصر المادي الذي يجب توافره لتحقق جريمة خيانة الأمانة. وهو يتمثل في أن يكون المال قد تم تسليمه طوعًا وبإرادة حرة من صاحب المال إلى المتهم، بحيث يكون هذا التسليم على أساس الثقة بأن المال سيُعاد أو يستخدم لغرض محدد و يجب أن يتم التسليم برضا صاحب المال، بمعنى أن صاحب المال يضع ثقته في الجاني ويسلمه المال أو الشيء لأداء غرض معين، سواء كان ذلك للحفظ، أو الاستخدام وفق شروط محددة او تعليمات صريحة .
ان التسليم هو عمل سابق على فعل الخيانة و بدونه لا تقوم الجريمة فالمجنى عليه يقوم بتسليم المال الى الجاني لحفظه لفترة زمنية محددة، بشرط أن يُعاد أو يُستخدم وفقًا لشروط محددة او حسب الاتفاق فهو ينقل حيازة المال الى الجاني على سبيل الحيازة الناقصة لأي غرض كان ثم يغير الجاني نيته من حيازة الشيء حيازة وقتية إلى حيازة كأمله بنية تملكه او الاستحواذ عليه اي أن يد مرتكب خيانة الأمانة تكون مشروعه ابتدأ ثم تنقلب يده غير مشروعه بعد التصرف في الأمانة خلاف الغرض من الإيداع
ركن القصد الجرمي :ركن القصد الجرمي هو العنصر المعنوي أو النفسي في الجريمة، ويشير إلى نية الجاني في استخدام المال أو الشيء بسوء نية أو بشكل مخالف للغرض الذي عهد به إليه، أو الذي تم التسليم لأجله. سوء النية: يعني أن المتهم يدرك تمامًا أنه يخون الأمانة ويتصرف بما يخالف الأمانة التي اؤتمن عليها. يتمثل ذلك في وجود نية الاحتيال أو الغش لتحقيق مكاسب شخصية أو للإضرار بصاحب المال.
الامثلة التطبيقة :
الهدف من هذه الأمثلة هو توضيح كيفية وقوع جريمة خيانة الأمانة في سياقات مختلفة سواء كانت في الحياة اليومية أو في أماكن العمل.
- الوصى او القيم الذى يبدد أموال القاصر .
- وكيل مكلف بإدارة عقار لشخص آخر يقوم بتأجيره دون علم المالك، ويأخذ الإيجار لنفسه.
- مندوب توصيل الطلبات يعمل لدى شركة توصيل فهو مكلف بتسليم الشحنة او الطلب للعميل , يفتح البضاعة ويستغل جزءًا منها لنفسه قبل تسليمها للعميل.
- شخص يرهن مجوهرات أو أصولًا أخرى لدى جهة مالية، فيقوم الموظف المسؤول عن الرهن باستخدام هذه المجوهرات أو بيعها دون إذن.
- موظف في شركة يحصل على أموال الشركة لأغراض العمل، ولكنه يستخدمها لسداد ديونه الشخصية أو لتمويل مشروعه الخاص.
- مقاول يتلقى دفعة مقدمة من زبون لبناء منزل أو مشروع معين، لكنه لا يستخدم المال في المشروع أو يتأخر في تنفيذ العقد ويستغل الأموال لأغراض شخصية.
- محاسب الشركة يتلقى أموالاً من المدير المفوض لغرض سداد الضرائب أو لدفع فواتير محددة، لكنه يستخدم هذه الأموال لأغراضه الشخصية أو لتغطية نفقات أخرى.
- شخص يعمل في شركة يُعطى بطاقة ائتمان الشركة لأغراض العمل، لكنه يستخدم البطاقة في مشتريات شخصية دون إذن من الإدارة.
- شخص يعمل في شركة تصرف له بطاقة بنكية من الشركة لأغراض العمل، لكنه يستخدم البطاقة في مشتريات شخصية دون إذن من الإدارة.
- شخص يعمل في شركة يقوم بتحويل أموال الشركة إلى حسابه الشخصي بنية الاستفادة منها، مع علمه بأنه يتصرف فيما لا يخصه.
- شخص يستلم وديعة مالية ويستخدمها للاستثمار لصالحه دون إذن المالك، مدركًا أنه يتجاوز شروط الثقة.