تأثير الزمن و الذاكرة على الشاهد في القضايا الجنائية
مقدمة :
ان الاثبات الجنائي يقوم على اقامة الدليل على وقوع الجريمة او عدم وقوعها ونسبها الى مرتكبها و تعتبر الشهادة من اهم الادلة القانونية المعنوية في الدعوى الجزائية التي تساعد على كشف غموض الجريمة وملابساتها وطريقة ارتكابها ومن ثم التوصل الى الفاعل الحقيقي او شركائه من خلال إحضار الشهود لتقديم إفاداتهم أمام المحكمة التي يعود اليها السلطة المطلقة بتقديرها من الناحية الشكلية والموضوعية .
في هذا المقال، سنستعرض تعريف الشهادة لغة واصطلاحاً، ثم نوضح مفهومها في الشريعة الإسلامية، قبل أن ننتقل لمناقشة العوامل المؤثرة على الشاهد في الدعاوى الجزائية بامكانك الاطلاع ايضا على موضوع (حالات عدم جواز قبول الشهادة في الدعوى الجزائية) بالضغط على هذا الرابط
تعريف الشهادة لغة واصطلاحاً
- الشهادة لغة: الشهادة في اللغة العربية تأتي من جذر الفعل “شهد”، وهي تعني الإخبار عن شيء معين بشكل مؤكد. يقول ابن منظور في “لسان العرب”: “شهد: شهدت الشيء أشهده شهودًا وشهادةً. والشاهد هو الذي يعاين الأمر ويخبر به”. وبالتالي، الشهادة تتعلق بإدلاء شخص ما بإخبار مؤكد حول حدث أو واقعة معينة.
- الشهادة اصطلاحاً: الشهادة اصطلاحًا هي إخبار الشخص بأمر رآه أو سمعه أو علمه بشكل مؤكد أمام السلطة القضائية بهدف إثبات حق أو نفيه. وهي وسيلة قانونية يستخدمها القضاء لإثبات الحقائق وتفسير الأحداث بناءً على ما يقدمه الشهود من معلومات وأدلة. وتُعد الشهادة أداة مركزية في التحقيقات والإجراءات القضائية سواء كانت في القضايا المدنية أو الجنائية.
الشهادة في الشريعة الإسلامية
الشهادة في الشريعة الإسلامية لها أهمية كبرى، حيث تُعد من وسائل الإثبات الأساسية التي يعتمد عليها القضاء الإسلامي في إصدار الأحكام. وقد وردت الشهادة في القرآن الكريم في العديد من الآيات التي تحث على قول الحق وإقامة الشهادة دون تحريف أو كتمان.
- الشهادة في القرآن الكريم: قال الله تعالى في سورة البقرة: “وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ” (البقرة: 282)، وفي موضع آخر: “وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ” (الطلاق: 2). الشهادة في الإسلام ليست فقط وسيلة لإثبات الحقائق بل هي عبادة يجب أن تؤدى بأمانة وصدق، وتكون خالصة لله تعالى.
- الشهادة في السنة النبوية: ورد في الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟” قلنا: بلى يا رسول الله، قال: “الإشراك بالله وعقوق الوالدين”، وكان متكئًا فجلس وقال: “ألا وقول الزور وشهادة الزور”، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. من هذا الحديث يظهر مدى خطورة شهادة الزور وكونها من الكبائر في الشريعة الإسلامية.
العوامل المؤثرة على الشهادة :
- المصداقية : تعتبر المصداقية من أهم العوامل التي تؤثر على قوة الشهادة ومدى قبولها في المحكمة. يتعين على الشخص الذي يتقدم الى الشاهدة أن يكون شخصًا معروفًا بالنزاهة والصدق، حيث أن أي شكوك حول سلوكه أو أمانته قد تؤثر على مصداقيته في بعض الأحيان، قد تتعرض الشهادات للطعن إذا كان هناك شكوك حول دوافع الشاهد أو ارتباطه بالدعوى .
- القدرة على الإدراك: من العوامل التي تؤخذ في الاعتبار هي مدى قدرة الشاهد على الإدراك. فإذا كان يعاني من مشكلات عقلية أو نفسية تؤثر على ذاكرته أو فهمه للأحداث، فإن ذلك قد يؤثر سلبًا على مصداقية شهادته. على سبيل المثال، في بعض الحالات الجنائية قد يتم استبعاد شهادات الأطفال إذا كان يُعتقد أن إدراكهم للأحداث غير كافٍ.
- الحياد وعدم التحيز: يجب أن يكون الشخص المتقدم للشهادة محايدًا وغير متحيز لأي طرف من أطراف النزاع. فالذي يظهر ميولًا واضحة تجاه طرف معين قد يكون شهادته غير موضوعية، مما يقلل من قيمتها في المحكمة. قد تُستبعد الشهادات إذا تبين أن لديه مصلحة شخصية في القضية أو يعاني من ضغوط خارجية للتأثير على شهادته.
- ظروف تقديم الشهادة: تلعب الضروف الامنية والاقتصادية وطبيعة الدعوى دورًا مهمًا في تقييم الشهادة فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص تحت تأثير تهديد أو ضغط من أي نوع، فقد يؤثر ذلك على دقة وصدق شهادته. و في هذا السياق نصت المادة 64 من قانون اصول المحاكمات الجزائية لا يجوز توجيه اي سؤال الى الشاهد الا باذن القاضي او المحقق ولا يجوز توجيه اسئلة اليه غير متعلقة بالدعوى او اسئلة فيها مساس بالغير ولا توجيه كلام الى الشاهد تصريحا او تلميحا او توجيه اشارة مما ينبني عليه تخويفه او اضطراب افكاره وبهذا النص الصريح ضمن المشرع العراقي حقوق الشهود بالادلاء بشهادتهم بكل حرية .
التناقض في الشهادة :
التناقض الحاصل في الشاهدات المقدمة في دور التحقيق او المحاكمة قد يؤدي إلى عدم الاطمئنان اليها وتكون محل شك و الشك يفسر لصالح المتهم وبالتالي يؤدي الى عدم الاخذ بها أو استبعادها تمامًا لان الاحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين وعليه يجب أن تكون الرواية متسقة ودقيقة للأحداث. فالتناقضات أو التغييرات الكبيرة في الشهادة قد تدفع المحكمة للشك في مصداقيتها .
- الذاكرة والتذكر: عامل الزمن يلعب دورًا مهمًا من حيث أن قدرة الشهود على تذكر التفاصيل بدقة وقد تتأثر بمرور الوقت, فالشهادات المتعلقة بأحداث وقعت منذ فترة طويلة قد تكون أقل دقة بسبب ضعف الذاكرة أو نسيان التفاصيل. وبالتالي، يفضل في الكثير من الأحيان أن يتم استدعاء الشهود في أقرب وقت ممكن من وقوع الحادثة.
- المؤثرات الخارجية: قد يتاثر الشهود بعوامل خارجية مثل الإعلام أو آراء الآخرين. فاذا تعرض الشهود الى معلومات أو تحليلات من وسائل الإعلام أو من طرف آخر قبل الإدلاء بشهادتهم، قد يؤدي ذلك إلى تشويه ذاكرة الشخص أو التأثير على حكمه الشخصي على الأحداث. في بعض الحالات، قد يتم استبعاد الشهادات التي يتبين أنها تأثرت بشكل غير مباشر بهذه العوامل.
- التخصص والخبرة: في بعض القضايا الجنائية، قد تحتاج المحكمة إلى شهادة خبراء في مجالات معينة مثل الطب الشرعي أو التحليل النفسي فشهادة الخبراء تختلف عن الشهادة العادية، حيث تعتمد على المعرفة والتخصص في مجال معين ومع ذلك يجب أن يكون الخبير محايدًا وذو سمعة مهنية جيدة حتى تكون شهادته مؤثرة.
القابلية للاختيار :
بعض الشهادات لا يمكن تقبلها كشاهدة يعتمد عليها لانه لا يمكن اختبار صحتها او القدرة على اثباتها بالدلائل لكون بعض الشهود لم يطلعوا على وقائع الحادثة وانما على جزء من تلك الوقائع اما عن طريق السماع او مشاهدة ذلك الجزء بعد فترة وجيزة لوقوع الجريمة حيث يصبح هذا الجزء من الواقعة محل ريبة وشك ومثال ذلك يقول احد الشهود بأنه شاهد المتهم وهو يسير في الشارع في ساعة متأخرة من الليل وهو في حالة ارتباك وان مثل هذا القول لا يمكنه اعتباره دليل قاطع لتوجيه تهمة القتل الى المتهم .
- الاغفال وعدم كفاية الاعضاء : الاغفال غالبأ ما يكون في الشهادة ذات التفاصيل الكثيرة والمتشبعة حتى لو كانوا الشهود من اصحاب الذاكرة القوية اما عدم كفاية الاعضاء الحسية عند الانسان لادراك الاشياء بصورة صحيحية مثل عيب البصر او السمع فتكون شهادته خاطئة او قاصرة .
- الاضافات او المبالغات او الخيال : في بعض الاحيان يلجأ بعض الشهود الى اضافة امور او حوادث ليس لها وجود اما لغرض التنميق الكلامي او الرغبة في الظهور بمظهر العارف في كل شي واما الخيال فهو احد صور المبالغة في ذكر الحوادث .
- الابدال والاحلال و الاخطاء الشائعة : وتحدث هذه الحالة عندما تذكر الوقائع في غير وضعها المناسب نتيجة لعدم ترتيب الاسئلة الموجهة الى الشهود والمتوافقة مع الترتيب الزمني لوقوع الحادث حيث يضطر الشهود ان يذكروا وقائع في غير سياقها الزمني الذي وقعت فيه فيتم الخلط بين حادثة او اخرى ويستبدل واقعة بأخرى فتأتي شهادتهم مشوشة وغير متناقسه اما الاخطاء الشائعة فتكون في المسافات والاحجام والمساحات والوقت .