المقدمة :
ان قيمة الدفوع القانونية تكمن في انها تمثل الحقوق القانونية التي يقرها القانون للمدعى عليه لمواجهة دعوى خصمه، وتُشكل جوهر الدفاع في الخصومة المدنية وقد عرفت المادة (٨) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 المعدل الدفع بأنه
١ – الدفع هو الاتيان بدعوى من جانب المدعى عليه تدفع دعوى المدعي وتستلزم ردها كلا او بعضا.
٢ – يراعى في الدفع ما يراعى في الدعوى من احكام ويشترط ان يكون ذا صلة مباشرة بالدعوى الاصلية.
٣ – اما إذا لم تظهر صلة الدفع بالدعوى الاصلية الا من حيث النتيجة سمى دعوى متقابلة كدعوى المقاصة.
الدفع القانوني هو حق قانوني للمدعى عليه للدفاع عن نفسه عن طريق تقديم رد على الدعوى المقامة ضده يهدف من خلاله رد دعوى المدعي كلا او بعضا وتجنب الحكم عليه أو إثبات عدم أحقية المدعي في دعواه ويشترط في الدفع ما يراعى بالدعوى من احكام وشروط لقبولها من الاهلية والصفة والمصلحة وان يكون ذا صلة مباشرة بالدعوى ومنتج فيها.
ويذهب بعض شراح القانون على تصنيف الدفع بانه وسيلة سلبية للمدعى عليه لرد دعوى خصمه ومن وجهة نظري القانونية لا اتفق مع هذا الاتجاه بوصف الدفع بالوسيلة السلبية لأنه حق للمدعى عليه في تقديم رد على الدعوى المقامة ضده، وهو جزء أساسي من الإجراءات القانونية القضائية التي يترتب عليها إثر قانوني بحكم القانون لكون جواب المدعى عليه على دعوى خصمه يتخذ عدة وسائل دفاعية
كسبق الفصل في الدعوى او بعدم اختصاص المحكمة النوعي او الوظيفي او بعدم اختصاصها مكانيا او بعدم توجه الخصومة او الدفع بعدم قبول الدعوى او ببطلان التبليغ وغيرها من الدفوع القانونية التي يدفع بها المدعى عليه الهدف منها هو رد دعوى المدعي كلا او بعضا و تجنب الحكم عليه أو إثبات عدم أحقية المدعي في دعواه فلأصل الظاهر هو براءة الذمة من أي التزام أو دين حتى يثبت العكس .
انواع الدفوع القانونية :
تقسم الدفوع القانونية الى ثلاثة انواع رئيسية:
١- الدفوع الشكلية: هي الوسائل القانونية التي يستعملها المدعى عليه بهدف تفادي الحكم عليه وتتعلق بالناحية الشكلية للإجراءات القانونية التي يجب مراعاتها عند إقامة الدعوى دون المساس بأصل الحق المدعى به كالدفع بعدم اختصاص المحكمة النوعي او الوظيفي او ببطلان تبليغ عريضة الدعوى او التقادم والغرض الرئيسي منها رد الدعوى دون الخوض في موضوعها وقبل الدخول في أساسها.
٢- الدفوع الموضوعية: هي التي توجه الى ذات الحق المدعى به وتتعلق بموضوع الخصومة إذ ينازع بها الخصم في الحق الذي يدعيه خصمه، كالدفع بانقضاء الدين المطالب به أو إنكار وجوده.
٣- الدفوع بعدم القبول: وهي نوع مستقل من الدفوع ذات طبيعة خاصة تختلف عن طبيعة الدفوع الموضوعية لأنه لا يتصل بالحق المدعى به ويختلف عن الدفوع الشكلية لأنه لا يتصدى للإجراءات الشكلية لرفع الدعوى فهذه الدفوع تمثل مركزا وسطيا بينها، كالدفع بعدم حلول اجل الدين أو سبق الفصل في الدعوى أو عدم توجه الخصومة في الدعوى.
أنواع الدفوع الشكلية:
من الضروري عند تقديم الدفوع القانونية ان يراعى الترتيب القانوني للدفوع الشكلية واسبقيتها القانونية على الدفوع الموضوعية من حيث أن المحكمة تقضى في الدفع الشكلي قبل البحث في موضوع الدعوى لأن الفصل في الدفع الشكلي قد يوفر للمحكمة الجهد والوقت إذ يترتب على قبوله انقضاء الخصومة أمامها ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تضم الدفع الى موضوع الدعوى إذا رأت أن الفصل في الدفع يستلزم بحث الموضوع. والدفع الشكلي يجب ابداءه قبل أي دفع أو طلب اخر والا سقط الحق فيه مالم يتصل بالنظام العام ويعتبر تنازلا عن الدفع الشكلي مجرد تقديم دفع آخر عليه أما في الدفوع الموضوعية فلا يعتبر تنازلا عن الدفع الموضوعي مجرد تقديم دفع آخر عليه.
أولا: الدفع ببطلان تبليغ عريضة الدعوى أو الاوراق الأخرى.
نصت المادة (٧٣) من قانون المرافعات المدنية
١- الدفع ببطلان تبليغ عريضة الدعوى او الاوراق الاخرى يجب ابداؤه قبل اي دفع او طلب اخر والا سقط الحق فيه. وتفصل فيه المحكمة قبل التعرض لموضوع الدعوى.
٢ – يجب ابداء هذا الدفع في عريضة الاعتراض او الاستئناف والا سقط الحق فيه.
٣ – يزول بطلان التبليغ إذا حضر المطلوب تبليغه او من يقوم مقامه في اليوم المحدد.
بين النص القانوني اعلاه بان الدفع ببطلان تبليغ (المدعي عليه) هو أحد الدفوع الشكلية الذي يوجه الى أحد الإجراءات الشكلية المرتبطة برفع الدعوى والذي يجب ابداؤه قبل أي دفع او طلب اخر والا سقط الحق فيه لان صحته يجعل الاجراءات التالية له باطله قانوناً. وتجري التبليغات القضائية وفقا للإجراءات التي نص عليها قانون المرافعات المدنية بالمواد (١٣-٢٧) وفي حالة ما إذا شاب اجراءات التبليغ عيب أو نقص جوهري يخل بصحة التبليغ أو يفوت الغاية منه فأن ذلك التبليغ يعتبر باطلاً وفقا لأحكام المادة ٢٧ من قانون المرافعات
كما ان بطلان التبليغ يزول إذا حضر المطلوب تبليغه بنفسه أو من يقوم مقامه لأن الغاية من التبليغ تمت بحضور المطلوب تبليغه. واوجب القانون على المحكمة في اول جلسة ان تحقق من تمام التبليغات واستيفاءها الشكل الذي نص عليه القانون وفقا لأحكام المادة (٥١) مرافعات وعلى الخصم ابداء الدفع بطلان التبليغ في العريضة الاعتراضية أو الاستئنافية والا سقط الحق فيه ولا يجوز ابداءه شفاها في محضر الجلسة. ومن الجدير بالذكر ان هذا الدفع هو مقرر لمصلحة الخصوم ولا يتعلق بالنظام العام ويترتب على صحة بطلانه بطلان كافة الاجراءات اللاحقة له.
وفي هذا السياق قضت محكمة التمييز الاتحادية الموقرة في احدى قراراتها (لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية ولاشتماله على أسبابه قرر قبوله شكلاً وعند عطــف النظر علـــى الحكم المميز تبين انه صحيح وموافـــق لأحكام الأصول والقانون وقد اتبعت فيه محكمة الاستئناف قرار النقض الصادر من هذه المحكمة بالعدد ٣٧٧ / الهيئة الاستئنافية منقول / ٢٠٢٤ في ٢٨-١-٢٠٢٤ وأجرت تحقيقاتها في ضوئه وثبت لها عدم صحة تبليغ المميز عليه بالإنذار موضوع الدعوى لأنه لم يجرِ وفقاً لأحكام القانون على العنوان الثابت للمذكور وبالتالي يعتبر باطلاً لا قيمة قانونية له ( المادة ٢٧ مرافعات ) الامر الذي يجعل دعوى فسخ اتفاقية التسوية المبرمة بين الطرفين المستندة للإنذار المذكور واجبة الرد للأسباب أعلاه وهذا ما انتهى اليه الحكم المميز لذا قرر تصديقه ورد اللائحة التمييزية وأسبابها وتحميل المميز رسم التمييز وصدر القرار بالاتفاق استناداً لأحكام المادتين ٢١٠ / ٢ و ٢١٨ من قانون المرافعات المدنية في ١٥-٧-٢٠٢٤ .(رقم القرار ٢٦٩٥/ هيئة استئنافية منقول) في ١٥-٠٧-٢٠٢٤ . منشور على موقع قاعدة التشريعات العراقية.
اما الحالة الثانية التي نصت عليها المادة (٧٣) مرافعات الاوراق الاخرى التي يلزم تبليغها الى الخصم وفقا لأحكام المادة (٤٧) التي نصت:
١- على المدعى عند تقديم عريضة دعواه ان يرفق بها نسخا بقدر عدد المدعى عليهم وقائمة بالمستندات التي يستند اليها مرفقا بها صورا من هذه المستندات ويجب عليه ان يوقع هو او وكيله على كل ورقة مع اقراره بمطابقتها للأصل وتقوم المحكمة بتبليغها للخصم.
٢ – لا تقبل عريضة الدعوى، إذا لم ترفق بها المستندات والصور المنصوص عليها في الفقرة ١ من هذه المادة، الا إذا كانت الدعوى من الدعاوى التي يجب اقامتها خلال مدة معنية، وكانت هذه المدة على وشك الانتهاء.
٣ – لا يجوز تعيين يوم للنظر في الدعوى المشمولة بأحكام الفقرة ٢ من هذه المادة، الا بعد تقديم المستندات والصور، وفي حالة عدم تقديمها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ دفع الرسم، تعتبر عريضة الدعوى، مبطلة بحكم القانون.
وقضت رئاسة محكمة استئناف بغداد – الرصافة الاتحادية الموقرة في أحدها قرارتها :
قررت محكمة بداءة الكرادة بتاريخ ٢٨-١٢-٢٠٠٨ وبالعدد ٩٦٦/ب/٢٠٠٨ ابطال عريضة الدعوى اعلاه استناداً لأحكام المواد ٤٦ و٥٠ من قانون المرافعات المدنية قراراً قابلاً للتمييز. ولعدم قناعة المميز بالقرار اعلاه طعن به وكيله تمييزاً بلائحته المؤرخة ٤-١-٢٠٠٩ طالباً نقضه للأسباب الواردة فيها.
القرار
لدى التدقيق والمداولة وجد بأن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية، فقرر قبوله شكلاً. ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد بأنه غير صحيح ومخالف للقانون، ذلك ان المحكمة قد استندت بقرارها ابطال عريضة الدعوى على احكام المادتين (٤٧ و ٥٠) من قانون المرافعات المدنية رقم ٨٣/٦٩، دون ان تلاحظ ان تطبيق المادة (٤٧) م.م اعلاه المتعلقة بعدم ارفاق المستندات والصور انما يكون قبل تعيين موعداً للنظر في الدعوى، طبقاً لما نصت عليه الفقرة (٣) من المادة المذكورة، وان المحكمة كانت قد نظرت الدعوى غياباً بحق المدعى عليه، واحالتها على خبير قضائي، كما ان المادة (٥٠ م.م) اعلاه يتعلق بموضوع الخطأ او النقص في البيانات الواجب ذكرها في عريضة الدعوى، من شأنه ان يجهل المدعى به او المدعي او المدعى عليه او المحل المختار لأجراء التبليغ. بحيث لا يمكن اجراء التبليغ وعدم استجابة المدعي لإصلاحه بناءً على طلب من المحكمة خلال مدة مناسبة، وإلا تبطل العريضة بقرار من المحكمة، ولما كان عنوان المدعى عليه معلوم وتم اجراء التبليغات الاصولية، وجرت المرافعة بحقه غياباً. طبقاً لنص المادة (٥٦/١) من القانون م.م المذكور، فكان على المحكمة الاستمرار بنظر الدعوى واستكمال تحقيقاتها فيها وربطها بقرار حكم عادل، وحيث ان المحكمة قد ذهبت الى خلاف ذلك مما أخل بصحة قرارها المميز، لذا قرر نقضه، واعادة اضبارة الدعوى فيها لاتباع ما تقدم، على ان يبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة، وصدر القرار بالاتفاق في ٢٩/١/٢٠٠٩م. (رقم القرار: ٥٨ في ٢٩-٠١-٢٠٠٩) نفس المصدر السابق.
ثانيا: الدفع بعدم الاختصاص المكاني .
نصت المادة (74) المرافعات (الدفع بعدم الاختصاص المكاني يجب ابداءه كذلك قبل التعرض لموضوع الدعوى والا سقط الحق فيه). ويقصد بالدفع بعدم الاختصاص المكاني الدفع الذي يقصد به منع المحكمة من الفصل في الدعوى المعروضة امامها لخروجها عن حدود ولايتها طبقاً لقواعد الاختصاص المكاني (التقسيمات الإدارية) والدفع بعدم الاختصاص المكاني من حق الخصوم والذي يجب ابداءه قبل أي طلب أو دفع وقبل الدخول في اساس الدعوى الا سقط الحق فيه. فهو دفع مقرر لمصلحة الخصم المدعى عليه وليس للمحكمة اثارته من تلقاء نفسها وليس من النظام العام.
ولا يشترط ان يقدم هذا الدفع في الجلسة الاولى وانما يجب ان يقدم قبل أي دفع موضوعي في الدعوى إذا قد يحضر الطرفان الجلسة الاولى ويطلبان التأجيل أو يتعذر على المحكمة رؤية الدعوى في الموعد المحدد لإجازة القاضي المختص بنظرها. كما ان عدم اثارته في أولى مراحل الدعوى يعتبر قبول ضمني من المدعى عليه باختصاص المحكمة بنظر الدعوى ولكون هذه الدفوع الشكلية مهمة من ناحية التطبيق العملي في مهنة المحاماة وفيها أكثر من حالة قانونية في حال تم الطعن بالحكم عن طريق الاعتراض على الحكم الغيابي او في مرحلة الاستئناف او من ناحية الطعن بالقرار الصادر برفض او قبول الدفع بالاختصاص المكاني وكذلك حال التنازع السلبي او تعدد المدعى عليهم ولكل من هذه الحالات احكام خاص به ولكي لا يكون الموضوع طويل سنبحثها في موضوع مستقل لأهميتها.
وقد تكون ايضا مهتما بهذا الموضوع .
