الاعتراف و الضمانات الدستورية لحماية حقوق المتهمين في القانون العراقي
الاعتراف: لغة وتطور تاريخي
الاعتراف لغة:
الاعتراف في اللغة العربية مشتق من الجذر “عَرَفَ”، ويشير إلى الإقرار أو التصريح بوقوع أمر معين. في سياق القانون، الاعتراف يعني إقرار الشخص بصدق بفعله أو تصريحه بشيء يعلمه، ويُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى قبول الشخص بمسؤوليته عن فعل أو قول محدد أمام جهة مختصة. يُعتبر الاعتراف، بذلك، بمثابة إعلان أو تصريح بالحقيقة من قبل الشخص نفسه، وهو ما يجعله ذو ثقل وأهمية خاصة في التحقيقات القانونية.
تطور الاعتراف الجنائي تاريخيًا:
تاريخيًا، كان الاعتراف الجنائي يُعتبر أحد الوسائل الرئيسية لتحقيق العدالة في الأنظمة القانونية القديمة. في العصور الوسطى، كان يُنظر إلى الاعتراف على أنه دليل قاطع يدين الشخص، وغالبًا ما كان يُنتزع الاعتراف تحت التعذيب أو الضغوط النفسية الشديدة. استخدمت بعض المحاكمات، مثل محاكم التفتيش في أوروبا، الاعتراف كوسيلة رئيسية لإدانة الأفراد المتهمين بالهرطقة أو الجرائم الأخرى.
مع تطور الفكر القانوني وظهور مبادئ حقوق الإنسان، بدأت النظرة إلى الاعتراف تتغير. في القرون اللاحقة، خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بدأت المحاكم تشدد على ضرورة أن يكون الاعتراف طوعيًا، بدون أي إكراه أو ضغط. هذا التحول جاء نتيجة للانتقادات الشديدة للأساليب القسرية المستخدمة للحصول على الاعترافات، والتي غالبًا ما كانت تؤدي إلى إدانات خاطئة.
في العصر الحديث، وبفضل التقدم في علوم النفس الجنائي والتقنيات القانونية، أصبح الاعتراف يُعامل بحذر أكبر. القوانين الحديثة في العديد من الدول، بما فيها قانون أصول المحاكمات الجزائية، تتطلب أن يتم الاعتراف أمام قاضٍ مختص وبحضور محامٍ لضمان عدم تعرض المتهم لأي نوع من الإكراه. كما أن الاعتراف أصبح واحدًا من بين عدة أدلة تُستخدم في القضايا الجنائية، وليس الدليل الوحيد.
الضمانات الدستورية لحماية حقوق المتهمين في القانون العراقي :
في الدستور العراقي لعام 2005، تم تضمين مجموعة من الضمانات الدستورية لحماية حقوق المتهمين وضمان محاكمات عادلةو هذه الضمانات تعكس التزام العراق بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وسيادة القانون. وفيما يلي بعض الضمانات الدستورية :
- الحق في المحاكمة العادلة (المادة 19) من الدستور العراقي نصت على أنه:-
- القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون.
- لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة ولا يجوز تطبيق عقوبة أشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة.
- التقاضي حق مصون ومكفول للجميع.
- حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة .
- المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرة أخرى بعد الإفراج عنه إلا إذا ظهرت أدلة جديدة.
- لكل فرد الحق في أن يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية.
- جلسات المحاكمة علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية.
- العقوبة شخصية.
- ليس للقوانين أثر رجعي ما لم ينص على خلاف ذلك ولا يشمل هذا الاستثناء قوانين الضرائب والرسوم.
- لا يسري القانون الجزائي بأثر رجعي إلا إذا كان أصلح للمتهم.
- تنتدب المحكمة محامياً للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محام يدافع وعلى نفقة الدولة.
- لا يجوز الحبس أو التوقيف في غير الأماكن المخصصة لذلك وفقاً لقوانين السجون المشمولة بالرعاية الصحية والاجتماعية والخاضعة لسلطات الدولة.
- تعرض أوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة من حين القبض على المتهم ولا يجوز تمديدها إلا مرة واحدة وللمدة ذاتها.
- تحريم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية (المادة 37/أولاً – ج):
- يحظر الدستور جميع أشكال التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
- لا يُعتد بأي اعتراف ينتزع بالإكراه أو التعذيب.
- الحق في عدم الاعتقال أو التوقيف التعسفي (المادة 37/ب):
- لا يجوز القبض على شخص أو توقيفه إلا بأمر قضائي مبني على القانون.
- لكل فرد حريته الشخصية، ولا يمكن تقييدها إلا بموجب القانون.
- حماية الخصوصية (المادة 17):
- يضمن الدستور حق الفرد في حماية حياته الخاصة وأسراره.
- لا يجوز انتهاك حرمة المنازل أو تفتيشها إلا بموجب أمر قضائي.
الضمانات القانونية في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 :
قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي هو الإطار القانوني الذي ينظم الإجراءات التي تُتَّبع في التحقيق والمحاكمة في القضايا الجنائية داخل العراق. يهدف هذا القانون إلى تنظيم سير العدالة الجنائية بشكل يضمن حماية حقوق المتهمين وضمان محاكمة عادلة. يتناول القانون كيفية التحقيق في الجرائم، الإجراءات المتبعة أمام المحاكم، حقوق المتهمين، كيفية تقديم الأدلة، وطرق الطعن في الأحكام وكما يعتبر هذا القانون أداة أساسية لضمان تنفيذ القوانين الجنائية بشكل صحيح، مع الالتزام بالضمانات الدستورية المتعلقة بحقوق الأفراد وهذه الضمانات تتمثل بالاتي :
- نصت المادة (127) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على : (لا يجوز استعمال اية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على اقراره ويعتبر من الوسائل غير المشروعة اساءة المعاملة والتهديد بالإيذاء والاغراء والوعد والوعيد والتأثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير )
- نصت المادة (92) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على : ( لا يجوز القبض على اي شخص او توقيفه الا بمقتضى امر صادر من قاض او محكمة او في الاحوال التي يجيز فيها القانون ذلك )
- لا يباشر الاستجواب الا من قاضي التحقيق او المحقق بعد التثبت من شخصية المتهم واحاطته علما بالجريمة المنسوبة اليه .
- للمتهم ان يبدي اقواله في اي وقت بعد سماع اقوال اي شاهد وله ان يناقشه او يطلب استدعاءه لهذا الغرض .
- لا يجبر المتهم على الاجابة على الاسئلة التي توجه اليه ، وكذلك لا يجوز تحليف المتهم اليمين الا اذا كان في مقام الشهادة على غيره من المتهمين .
- يشترط لاجراء التفتيش ان تكون هناك جريمة قد وقعت ، وان توجد امارات ودلائل كافية لتوجيه الاتهام الى شخص معين .
- مبدأ علانية الجلسات اي علانية جلسات المحكمة والذي يعد من الوسائل الاساسية والمهمة التي يترتب عليها ارضاء شعور الجماعة بعدالة المحاكمة وتمكين المتهم من اثبات براءته امام الناس .
- منع تكبيل المتهم بقيود او اغلال ، وللمحكمة ان تتخذ الوسائل اللازمة لحفظ الامن في القاعة .
- يجب ان يكون لكل متهم بجنحة او جناية محامي ولا يتطلب في المخالفات لبساطتها الفصل في الدعوى من خلال السرعة في الاجراءات التحقيقية وتجنب اطالة النزاع ضمانا لحقوق ومصلحة المتهم .
تسبيب الاحكام لضمان حسن سير العدالة
هذه الضمانات تهدف إلى حماية المتهمين من التعسف وضمان محاكمات عادلة تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
مفهوم الاعتراف :
هو اقرار المتهم على نفسه بمحض حريته واختياره امام السلطة القضائية المختصة بالتحقيق المحقق او قاضي التحقيق او المحكمة المختصة بانه قد ارتكب الفعل المكون للجريمة المسندة اليه وحده او اشترك في ارتكابه مع غيره من المتهمين ويعتبر الاعتراف من اقوى الادلة ومن اهم طرق الاثبات الجنائي في الوصول الى كشف الجريمة.
الغرض من الاعتراف :
هو يكون لمعرفة المتهم الحقيقي والتثبت من صحة التهمة المسندة اليه وبالتالي نسبتها اليه ان صحت تمهيد لأحالته الى المحكمة المختصة لأجراء محاكمته حسب الأصول او استكمال التحقيق إذا كان هناك شركاء اخرين بالجريمة .
الاجراءات التحقيقية المتبعة :
تدوين افادة المتهم المعترف :
ففي حالة اعتراف المتهم امام المحقق يتعين على المحقق ان يتعمق معه بالتحقيق ويساله عن جميع ملابسات الجريمة وطريقة ارتكابها وصلته بالمجنى عليه و الدافع الرئيسي لارتكابها ومن الجدير بالذكر ان الدافع الرئيسي يلعب دورا مهما في تشديد او تخفيف العقوبة وان تقدير ذلك يعود الى قناعة المحكمة بالأدلة المطروحة امامها ثم ينتقل المحقق الى التفاصيل الأخرى من مكان و زمان ارتكابها ليلا ام نهارا وبأي آلة ارتكبت الجريمة بسلاح ناري كانت ام الة جارحة ام راضة اذا كانت الجريمة قتلا والسبب الذي حمله على ارتكابها وهل كان مدفوعا بارتكابها من تلقاء نفسه ام حرضه على ارتكابها شخص آخر وتدوين سبب ذلك في محضر اعترافه . انظر المادتين ( ۲۱۷ و ۲۱۸ ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية .
إجراءات قاضي التحقيق :
وبعد فراغ المحقق من تدوين افادة المتهم المعترف ينبغي عرضه الى قاضي التحقيق المختص وتدوين اعترافه من قبله مباشرة وبحضور كل من الادعاء العام و المحامي الأصيل او المحامي المنتدب الذي تندبه المحكمة واذا تضمنت افادة المتهم اقرارا بارتكابه الجريمة المسندة اليه فعلى قاضي التحقيق تدوينها بنفسه وتلاوتها عليه بعد الفراغ من تدوينها ومن ثم يتم تذيلها بتوقيع القاضي و الادعاء العام و المحامي ..
النص القانوني الواجب التطبيق :
قد يختلف النص القانوني الواجب التطبيق من جريمة الى أخرى نظرا لجسامة الجريمة والظروف المحيطة بارتكابها وشخصية المجرم والمجني عليه وكذلك بالنسبة الى مكان و زمان الجريمة وظروفها وملابساتها والدافع على ارتكابها فالجرائم أنواع ففي جرائم القتل العمد يسأل المتهم في حالة القتل مثلا هل انه كان مصمما على قتل المجنى عليه مهما كانت النتائج فتربص له عدة ايام وقتله عمدا مع سبق الاصرار والترصد، ام انه قتله نتيجة استفزازه له او لحدوث مشاجرة انية وهذه العملية المعقدة يطلق عليها التكييف القانوني للجريمة او الوصف القانوني و يكون من اختصاص قاضي التحقيق فهو من يحدد النص القانوني الواجب التطبيق و يخضع لرقابة محكمة الموضوع و محكمة التمييز المختصة بنظر الطعن .
کشف الدلالة :
ان كشف الدلالة لا يجري في كافة الجرائم الا في الجرائم التي تترك وتخلف ورائها آثارا مادية في محل وقوعها، كجرائم السرقات والقتل وغيرها فبعد اعتراف المتهم امام المحقق او قاضي التحقيق بالتهمة المسندة اليه يتعين على المحقق او قاضي التحقيق اجراء كشف الدلالة بصحبة المتهم المعترف في محل الحادث لإمكانية الوقوف على مدى صحة اعتراف المتهم بالنسبة الى قائع الجريمة المرتكبة ومدى مطابقته على الآثار المادية المتخلفة عن الجريمة مكان وقوعها بالنسبة للاعتراف المذكور من عدمه . بما ان كشف الدلالة موضوع واسع ومتشعب سيكون له مقال منفصل ساشرحه بالتفصيل
ارجوان اكون قد وفقت في شرح هذا الموضوع .