جريمة قيادة المركبة تحت تأثير المسكر في القانون العراقي
المقدمة :
تعد جريمة قيادة المركبة تحت تأثير المسكر او المواد المخدرة إحدى الجرائم التي توليها التشريعات القانونية اهتمامًا بالغًا، نظرًا لما تنطوي عليه من مخاطر جسيمة تهدد حياة السائقين والركاب والمشاة على حد سواء. في العراق، يُعتبر هذا الفعل جريمة يعاقب عليها قانون المرور العراقي رقم 8 لسنة 2019 (يمكنك الاطلاع على هذا القانون من خلال هذا الرابط ) اضافة الى نصوص القوانين العقابية الاخرى المرتبطة بهذا الفعل ، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى الحفاظ على السلامة العامة وتقليل حوادث السير المميتة. في هذه المقالة، سنتناول بالتفصيل مفهوم هذه الجريمة، الأبعاد القانونية، والعقوبات المترتبة عليها وفقًا للقانون العراقي.
مفهوم قيادة المركبة تحت تأثير المسكر او المواد المخدرة :
وهي قيادة المركبة تحت تأثير المسكر او المواد المخدرة تعني قيادة المركبة في حالة سكر أو بعد تناول مواد مخدرة تؤثر على القدرات العقلية والجسدية للسائق. تشمل هذه المواد الكحول بأنواعه المختلفة وبعض الأدوية أو المخدرات التي تؤدي إلى تدهور الحالة العقلية و عدم المقدرة في السيطرة او التحكم في المركبة. وان هذا الفعل ينطوي على خطورة جرمية هي حالة تتعلق بالشخص يمكن ان يصبح معها مصدرا محتملا للجرائم، لذلك فإنها قد تثبت دون إرتكاب الشخص للجريمة لانه يعرض حياة السائقين والآخرين للخطر.
تأثير قيادة المركبة تحت تأثير المسكر أو المخدر:
ضعف الإدراك والتركيز: يؤدي إلى عدم القدرة على تقدير المسافات، سرعة التفاعل مع الحوادث، والتحكم في المركبة.
زيادة احتمالية وقوع الحوادث: بسبب ضعف السيطرة على المركبة وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب.
خطر على السائقين الآخرين والمشاة: حيث أن الشخص المتأثر بالمسكر أو المخدر قد يتسبب في حوادث تؤدي إلى إصابات أو وفيات.
المقصود بالمسكرات و المواد المخدرة وانواعها :
المقصود بالمسكر : يشير إلى المواد التي تؤدي إلى تغيير الحالة العقلية للشخص بشكل يجعل من الصعب عليه التحكم في تصرفاته، خاصة أثناء القيادة. يتضمن المسكر الكحول بكافة أنواعه سواء كان نبيذًا، بيرة، أو مشروبات كحولية أخرى.
الكحوليات/ البيرة: تحتوي على نسبة منخفضة من الكحول. / النبيذ: يحتوي على نسبة أعلى من الكحول مقارنة بالبيرة./ المشروبات الروحية (مثل الويسكي والفودكا): تحتوي على نسب عالية جدًا من الكحول.
المقصود بالمخدر : هو المادة التي تؤثر على الجهاز العصبي وتسبب حالة من التخدير أو التسكين، مما يؤدي إلى تغييب الوعي أو ضعف التركيز. تشمل المخدرات المواد الممنوعة مثل الحشيش، الكوكايين، الهيروين، بالإضافة إلى بعض الأدوية الموصوفة التي لها تأثير مهدئ أو مخدر عند تعاطيها بكميات غير مناسبة.
أنواع المخدرات/ المخدرات الطبيعية كالأفيون: يُستخرج من نبات الخشخاش/ الحشيش: يُستخرج من نبات القنب.
المخدرات الاصطناعية مثل الكوكايين: يُصنع من نبات الكوكا ويُستخدم بشكل غير مشروع/ الميثامفيتامين: يُصنع في مختبرات غير قانونية وله تأثير مدمر على الجهاز العصبي. وكما وتشمل الأدوية الموصوفة/البنزوديازيبينات: مثل الفاليوم، وهي أدوية مهدئة.المورفين: يُستخدم لتسكين الآلام ولكنه يسبب الإدمان.
التأثيرات الاجتماعية والنفسية :
القيادة تحت تأثير المسكر لا تؤثر فقط على السائق والمجتمع من الناحية القانونية، ولكنها تحمل أيضًا أبعادًا اجتماعية ونفسية خطيرة. السائق الذي يتورط في حادث أثناء القيادة تحت تأثير المسكر قد يواجه وصمة اجتماعية تجعله منبوذًا من قِبل المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصدمة النفسية الناتجة عن التسبب في إيذاء الآخرين أو حتى التسبب في وفاتهم يمكن أن تُلاحق السائق طوال حياته.
الاثار القانونية لقيادة المركبة تحت تأثير المسكر او المواد المخدرة
تُعتبر قيادة المركبة تحت تأثير المسكر او المواد المخدرة من الجرائم الخطيرة التي جرمها قانون المرور العراقي رقم 8 لسنة 2019 حفاظا على السلامة العامة و يُعد هذا القانون واحدًا من احد القوانين المهمة حيث تم تعديل هذا القانون لكي يتماشى مع المعايير الدولية التي تُعنى بضبط وتنظيم حركة المرور، حيث يهدف هذا القانون إلى تقليل الحوادث المرورية وضمان سلامة المواطنين.
الإجراءات القانونية عند الاشتباه: عند الاشتباه في أن شخصًا ما يقود مركبته تحت تأثير المسكر او المواد المخدرة ، تُلزم السلطات المختصة بإجراء فحص طبي للسائق للتأكد من نسبة الكحول أو المواد المخدرة في دمه. يتم هذا الفحص باستخدام أدوات متطورة، منها جهاز قياس نسبة الكحول في الهواء الذي يخرج من الفم او بارساله الى احدى المستشفيات لفحصه فإذا ثبت أن السائق قد تناول المسكرات او المواد المخدرة مهما كان كانت النسبة ولو كانت ضئيلة فان الجريمة تعد قائمة ، يُعد السائق مذنبا بحكم القانون ويخضع للمساءلة القانونية .
الحدود المسموح بها : لم يحدد المشرع العراقي اي نسبة او مستوى معين من الكحول او المواد المخدرة ولم يسمح لسائق المركبة في ان تكون بدمه اي نسبة او مستوى معين من الكحول او اي مواد المخدرة عند قيادة مركبته .
العقوبات القانونية لجريمة قيادة المركبة تحت تاثير المسكر :
نصت المادة 34 من قانون المرور العراقي رقم 8 لسنة 2019 على :
اولا : يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ( 3 ) ثلاثة اشهر ولا تزيد عن ( 1 ) سنة واحدة او بغرامة لا تقل عن ( 200000) مائتي الف دينار ولا تزيد على (500000) خمسمائة الف دينار او بكلتا العقوبتين كل من قاد مركبته تحت تاثير مسكر او مخدر .
ثانيا : تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ( 6 ) ستة اشهر ولا تزيد على ( 1 ) سنة واحدة او بغرامة لا تزيد على ( 1000000) مليون دينار او بكلتا العقوبتين في حالة العود الى ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في البند ( اولا ) من هذه المادة خلال ( 1 ) سنة واحدة من تاريخ صدور حكم نهائي بحقه .
ومن خلال استقراء النص اعلاه استعمل المشرع العراقي لفظ كل من قاد مركبته تحت تاثير مسكر او مخدر يعاقب بالحبس او بالغرامة وهذا النص جاء مطلقا و عام حيث شمل جميع المواطنين العراقيين والمقيمين على ارضه ويشمل ايضا الوافدين و السياح ولم تستثني المادة اعلاه اي احد من العقوبة لان النصوص العقابية تعتبر من النظام العام .
تُعتبر تكرار الجريمة من العوامل المشددة للعقوبة في القانون العراقي. إذا تم ضبط الشخص وهو يقود مركبته تحت تأثير المسكر أكثر من مرة، فإن العقوبات تصبح أكثر صرامة، تصل بما لا تقل عن ستة اشهر وبغرامة مالية قدرها مليون دينار .و يهدف النص اعلاه إلى ردع الأفراد عن قيادة المركبات تحت تأثير هذه المواد، لما لها من تأثيرات سلبية على السلامة العامة. القانون يحاول حماية المجتمع من الحوادث التي يمكن أن تقع بسبب ضعف التحكم والسيطرة الناتجة عن تأثير المسكرات أو المخدرات.
هناك جرائم اخرى نص عليها قانون المرور العراقي رقم 8 لسنة 2019 مرتبطة بالمادة 34 ولكنها تختلف من حيث التكييف القانوني للفعل المصاحب لهذه الجريمة نصت عليه المادة 35 من نفس القانون ساكتفي بذكرها لكونها تشكل جريمة مستقلة بحد ذاتها سيكون لها موضوع مستقل .
نصت المادة 35 من قانون المرور العراقي النافذ على :
اولا : يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ( 6 ) ستة اشهر ولا تزيد على ( 2) سنتين او بغرامة لا تزيد على ( 1000000) مليون دينار او بكلتا العقوبتين كل من احدث بالغير اذى جسيم او عاهة مستديمة بسبب قيادته مركبته دون مراعاة القوانين والانظمة والبيانات وتعليمات المرور او بسبب عدم توافر شروط المتانة والامان في المركبة .
ثانيا : تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ( 1 ) سنة واحدة ولا تزيد على ( 3 ) ثلاث سنوات او بغرامة لا تزيد على ( 1000000) مليون دينار او بكلتا العقوبتين اذا وقعت الجريمة المنصوص عليها في البند ( اولا ) من هذه المادة اثناء قيادة المركبة برعونة او كان السائق تحت تاثير مسكر او مخدر او لم يقم بمساعدة من وقعت عليه الجريمة او لم يطلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك
جهود القانون العراقي في مكافحة هذه الجريمة :
يسعى القانون العراقي من خلال نصوصه وإجراءاته إلى تقليل نسبة الجرائم المرورية، ومنها القيادة تحت تأثير المسكر او المواد المخدرة . يتم ذلك عبر تحديث القوانين بما يتماشى مع المعايير الدولية، وتدريب رجال الشرطة على استخدام أجهزة الكشف عن المسكرات بشكل فعال،كما تسعى الجهات المختصة إلى توحيد الجهود مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية من أجل نشر الوعي بين المواطنين حول المخاطر القانونية والصحية للقيادة تحت تأثير المسكر. هذه الجهود تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الوطنية للحد من حوادث الطرق والحفاظ على حياة الناس.
خاتمة :
القيادة تحت تأثير المسكر في العراق تُعتبر جريمة خطيرة تستوجب التعامل معها بحزم وجدية. إن العقوبات القانونية التي يفرضها القانون العراقي تهدف إلى ردع السائقين عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، وضمان سلامة الطرق والأرواح. التوعية المجتمعية والتشدد في تطبيق القانون هما السبيلان الفاعلان للحد من هذه الظاهرة الخطيرة. لذا، يجب على الجميع الالتزام بالقوانين المرورية واحترامها لضمان سلامة الجميع على الطرقات.
الباحث القانوني والمفكر التحليلي1
ماهر الطائي